رابعاً : أنَّ المسلمين يؤمنون ، بل وغيرِ المسلمين من أهلِ الديانات السماويَّة ، يؤمنون بالساعةِ و أنها ستقع ، والقيامة وأنها ستحقُّ ، فهي الصاخَّةُ والحاقَّةُ والقارعةُ التي أخبر اللهُ تعالى عنها وهي التي سوف تدمِّرُ الحياةَ الدنيويَّةَ ونظامَها المعتاد ، وتنقل الناسَ إلى العالَمِ الأخرويِّ .. عالمَِ الجزاءِ و الحساب .
{ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ 1 وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ } ، {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ} ..
ذلك هو يومُ الجزاءِ و الحساب ، {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ 6}، وقبل ذلك الساعةُ التي هي تدميرُ الحياةِ الدنيويَّةِ والقضاءِ على البشرِ و موتِهِم عن آخرِهم .. حتى مَلَكُ الموتِ يموت .
خامساً : أمريكا بالذات برَزَتْ بسرعة ، فبروزها كقوةٍ عالميَّةٍ وقيادةٍ دوليَّةٍ كان بعد الحربِ العالميَّةِ الثانيةِ وخلال تقريباً خمسين سنة ، تبوأتْ هذا المنصبَ الكبيرَ العظيمَ كشرطيٍّ للعالَمِ اليوم .
والغربُ ربما احتمى بها واستعان بها خوفاً وذعراً من الشيوعية التي كانت تهدِّدُهُ بل سيطرتْ على جزءٍ كبيرٍ من أوروبا الشرقيةِ كما هو معروف ، ولذلك فإن العالمَ الغربيَّ الآنَ يريدُ أن يخلعَ نيرَ السيطرةِ الأمريكيَّةِ عنه من عنقِهِ ويتخلَّصَ من هيمنتِهَا عليه .
ولهذا فهناك تناقضٌ صارخٌ وواضحٌ بين أمريكا وأوروبا الموحَّدة و بين أمريكا ودول أوروبا على حِدَة ، كبريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا ، وبين أمريكا والصِّين وبين أمريكا واليابان وبينها وبين دولٍ أخرى .
إذن أمريكا برزَت بسرعة ولهذا لا غرابة أن يكون انهيارُها سريعاً أيضاً كما تتوقَّع بعضُ الدِّراساتِ وبعض التحَّاليل ، وسوف أشير إلى شيءٍ منها الآن .
إذن هذه صورةٌ تتوقَّعُ أن يكون سقوطُ العالَمِ الغربيِّ سقوطاً متداعياً وسريعاً يأخذُ بعضُه برقابِ بعضٍ وتنهارُ دفعةً واحدةً ، وربما يخسرُ البشرُ جميعَ المُنجزاتِ الحضاريَّةِ بسبب ذلك السُّقوط .
أما الصُّورة الثانيةُ للانهيارِ وهي التي غالباً ما يرسمها السياسيُّون الغربُ فهي لا تعدو أن تكونَ انكفاءَ العالَم الغربيِّ على نفسِهِ و انكماشِهِ و انشغالِهِ بهمومِهِ الخاصَّة ومشاكلِهِ الداخليَّةِ وكفِّ يده عن العالم الخارجيّ .
و هذا الأمر أصبح يمثل تيَّاراً في السياسةِ الأمريكيَّةِ يطالب بعدم التَّدخُّلِ في الدول الأُخرى و الانهماكِ والانشغالِ بالهمِّ الداخليِّ ، و أنَّ علاقةَ أمريكا بالعالمِ وما يتطلبَّه ذلك من تدخُّلٍ و إرسالٍ القوَّاتِ ودفع المساعداتِ إلى غيرِ ذلك ، هو من أهمِّ أسبابِ الانهيارِ الاقتصاديِّ الذي يهدِّدُها ، و لهذا عليها أن تقلِّلَ من حجمِ تدخِّلِها العالميِّ .
حتَّى في بعضِ الصُّوَر الديموقراطيَّةِ الغربيَّة ، يُخشى أيضاً أن تتحوَّلَ إلى خَطَرٍ يهدِّدُ أمريكا في نظرِ السياسيِّين ، فإنَّ مستشارَالأمنِ القوميِّ السابقِ، واسمُهُ (بريجنسكي ) ألَّفَ كتاباً اسمُهُ ( خارجَ نطاقِ السَّيطرة ) ، هذا الكتاب يقول فيه : إنَّ العالمَ الذي جاءَ بعدَ الشيوعيَّة ، عالَمٌ خَطِرٌ ، عالَم قلقٌ و متوتِّرٌ ويجبُ أن نُدرِكَ المخاطِرَ النَّاجمةَ عن الديموقراطيَّة الغربيَّة حيثُ سيوجدُ في أمريكا نوعٌ من الإباحيَّةِ المُطلقة ، كلُّ شيءٍ مسموحٌ وكلُّ شيءٍ مباحٌ، وبالتَّالي سوفَ تتعارضُ مصالحُ الأفرادِ و سوف يوجدُ هناك قدرٌ كبيرٌ من الأنانيَّة بينهم توجدُ انشطاراً في المجتمع و خطراً عظيماً .
إنَّه عالمٌَ يعيش – كما يقول بريجنسكي – حالةَ غليان بعد انهيار الشيوعية .
و من الجدير بالذِّكر أنَّ هذا الرجل وهو بريجنسكي قد توقَّعَ سقوطَ الشيوعيَّة ، عام 1987 م تقريباً في كتاب سمَّاه ( السُّقوطُ العظيم ) ، توقَّع فيه سقوط الشيوعية كما حدث فعلاً .
هذا أسلوبٌ أو نموذجٌ لهذا الأمر ، وينبغي أن أشيرَ في هذا المجال إلى أنَّ هؤلاء أيضاً ، أنَّ هذا الأمر يشملُ رجال الاقتصاد الغربيِّ ، فإنَّ الاقتصادَ الأمريكي الآن يعيش ما يسمونه بمرحلة النكبة ، نكبة الاقتصاد الأمريكي .
على سبيل المثال هذا كتابٌ أيضاً جديدٌ ومهمٌّ ، اسمه ( الإفلاس عام 95 ) مؤلِّفُ هذا الكتاب باحثٌ و مؤرِّخٌ أمريكيٌّ اسمه ( هاو إي فيكي ) ، هذا الكتاب الذي نشرته دارٌ أمريكية ( لتل باور ) يرسم مسلسلاً متلاحقاً للانهيارات الأمريكية التي سبَّبها الاقتصاد المثقل بالديون على الخزينة الأمريكية ، و الغريب أنَّ صحيفة نيويورك تايمز اعتبرت هذا الكتاب ضمن قائمة الكتب الأكثر رواجاً و انتشاراً في العالم .
هذا الكتاب يحدد بالضبط عام 1995 م - يعني بعد أقلِّ من سنتين - أنَّه عامَ السُّقوط و الانهيار الأمريكي ، و يحدِّد أنَّ الانهيارَ سوف يتمُّ من خلال الاقتصاد الأمريكي المتردي .
و هناك دراسة اقتصاديةٌ رصينةٌ جداً، بل دراساتٌ اطَّلعتُ عليها ولا يسعفني الوقت أن أعرضها لكم ، لكن على سبيل المثال تقول إحدى هذه الدراسات و هي دراسة علميَّةٌ دقيقةٌ ، تقول :
إنَّ الاقتصادَ الحكوميَّ الأمريكي الآن محمَّلٌ بحوالي أربع تريليونات من الديون ، و هو رقمٌ خيالي فلكيٌّ لا يمكن للعقل أن يتصوره ، و أنَّ هذا الرقم سوف يزداد إلى نهاية العقد الحالي ،يعني خلال ست سنوات ، إلى حوالي 13 و نصف تريليون دولار أمريكي !!
و هذا الرقمُ الخطير سوف يجعل أمريكا أمام عدة خيارات لا مخلص لها منها ، هذه الخيارات :
أولها : خفضُ المرتبات للموظفين بنسبةٍ ربَّما تصل إلى أكثر من 30% ، للموظف العادي ، و بالمقابل زيادة الضرائب عليهم إلى نحو 50% ، و ماذا تتصور من رجلٍ خُفِضَ مرتبه بنسبة 30% و زيد في الضريبة بنسبة 50% ؟!
هذا أمرٌ لا يُحتمل و لا يُطاق !
و الَّذين يعرفون العقليةَ و النفسيةَ الغربيةَ يُدركون أنَّ هذا الأمر لا يمكن أن يعمله رئيسٌ مهما كان في الظروف العادية .
هذا الاحتمال إذن لا يمكن أن يعملوه من أجل التطوير و الحفاظِ على اقتصادهم من الانهيار .
الحلُّ الثاني : هو أن يعلنوا العجزَ عن سدادِ الديون وهذا معناه إعلانُ الإفلاس، وهو لا يعني سقوط الاقتصاد الأمريكي فقط ، بل يعني سقوطَ الدولار الأمريكي و سقوط اقتصاد جميع الدُّول التي ربطت نفسها بالدولار، ومع الأسف الدُّول العربية هي جزءٌ من هذا العالم الذي ربط اقتصادَه بالدولار الأمريكي .
الحلُّ الثالث : - وهو المتوقع - أن تقومَ الحكومة هناك بما يسمونه بتسييل الدولار، وهو يعني طباعة كميَّاتٍ هائلةٍ من الأوراق النقدية ليس لها رصيد يقابلها، لمجرَّدِ إغراق الأسواق بها و سدِّ الحاجة ، و هذا الأمر سوف يؤدي إلى انهيارٍ اقتصاديٍّ فعلاً ، بمعنى أنَّ الدولار سيفقد قيمته بالتدريج ، حتى إنه في النهاية لا يساوي إلا قيمة الورقة التي طبع عليه فقط !!
و هذا أيضاً هو انهيارٌ كالذي قبله، ولكنه بدلاً من أن يكون انهياراً مفاجئاً سوف يكون انهياراً بطيئاً أو تدريجياً .
هذه الدراسات ليست مجرد أوهام أو خيالات، إنَّها دراساتٌ علميَّةٌ من مراكز متخصِّصة غربية وشرقية تدقُّ نواقيسَ الخَطَرِ، و لذلك فإنَّ أمريكا نفسها بدأت تشنُّ حرباً اقتصاديةً ضدَّ اليابان مثلاً و ضد أوروبا و ضد الصين ، وهي حربٌ مكشوفةٌ وأخبارها تعلن يومياً وأيُّ متابعٍ للصحف أو الملاحق الاقتصادية مثلاً يدرك ذلك جيداً .
و على سبيل المثال، فإنَّك تجد أنَّ أمريكا تضغط على اليابان من أجل أن تفتحَ أسواقها للمنتجات الأمريكية ، و بالمقابل تحاول أن تحدَّ من وجود المنتجات اليابانية في الأسواق الأمريكية ، وكذلك أنَّها تضغط على بعض الدول من أجل توقيع معاهداتٍ للتبادل التجاريِّ، سواءً مع فرنسا أو مع أوروبا أو غيرها تكون في النهاية لمصلحة أمريكا .
يتبــــــــــــــــــــــــــــع